بقلم د/ محمود خضر
"شهادة الطفل الصغير غير المميز"
شهادة الشهود قد تكون هي الدليل الوحيد القائم في الدعوي؛ ونظرا لأن الشهادة الصادقة قد تكون خير معين للمحكمة في تكوين عقيدتها وحكمها؛ فإنه يجب أن تتوافر في الشهود الأهلية والمواصفات التي تؤهلهم لتأدية الشهادة .
لذلك يثور التساؤل هنا عن مدي قبول شهادة (الطفل الصغير غير المميز)
بداية
نقول أنه إذا كان الشاهد حدثا صغيرا لا يميز فلا تقبل شهادته؛ إذ لا يعقل مطالبة
طفل صغير بأداء الشهادة وهو غير أهل لقول الحقيقة التي لا يميزها وهو يطلق لخياله
العنان فيكذب وهو لا يدري أنه يأتي أمرا منكرا يخالف الحقيقة ؛ لأنه ليس لهذه
الحقيقة مفهوم خاص في عقله
ولكن
وفقا لمبدأ حرية القاضي في تكوين إقتناعه؛ فإنه يمكن للقاضي أن يستمع إلي هذه
الشهادة علي سبيل الإستدلال وإن كانت لا تعد دليلا كاملا يمكن التعويل عليه عند
الحكم بالإدانة؛ وإنما يجب أن تدعم بأدلة أخري مماثلة في الدعوي.
إذ قد
نجد أنفسنا في حاجة إلي شهادة الأطفال وخاصة إذا كانوا هم أنفسهم المجني عليه؛ أو
عندما يكون هو الدليل الوحيد في الدعوي فيستعصي علي القاضي الوصول إلي الحقيقة
بغير شهادة الطفل.
لكن
هذه الشهادة تلزمها ضوابط خاصة حتي يمكن الأخذ بها؛ فمن الضروري الإستعانة
بالأخصائي النفسي لفحص أقوال الطفل؛ وتهيئة الظروف الملائمة عند الأخذ بأقوال
الطفل في أي مرحلة من مراحل الدعوي؛ والإبتعاد عن مظاهر إستعمال الشدة والتخويف
أو التدليل الزائد؛ والحرص علي سؤاله في جو مبسط خال من المظاهر علي قدر الإمكان.
علي أن
يمهد للطفل قبل إستجوابه بجو تسوده الطمأنينة والثقة في النفس؛ مع عدم التبسيط
الشديد الذي قد يؤدي به إلي الإنسياق وراء الخيال؛ وخاصة بالنسبة للأطفال المحرومين
من الحنان.
ويجب
علي القاضي أن يحترس لأن الطفل يكذب كما يتنفس دون أن يشعر؛ وحصيلة إطلاعات الطفل
البسيطة لا تقدم له سوي صوره خادعة وهمية لعالم غير حقيقي والطفل فخور بنفسه شديد
الزهو؛ يحب أن يري نفسه مركز الاهتمام ومحور الحديث كما يلجأ أمام الاخرين إلي
إظهار براعته ومهارته فيأتي بالحركات البهلوانية.
فالطفل
في مرحلة التكوين يكون سهل الإنقياد للإيحاء الخارجي الذي يؤدي إلي تحريفه للحقيقة.
إلا أن فطنة القاضي وإلمامه بقواعد علم النفس أو الإستعانة بأهل الخبرة فيه من الضمان والأمان والحماية حتي تستقيم حقيقة الشهادة.