جاري تحميل ... استجواب Istgwab

منصة لتبسيط العلوم القانونية وعلوم الجريمة

إعلان الرئيسية

 
بقلم د/ محمود خضر


"الشرعية الجنائية للجريمة الإلكترونية في مصر"

علي الرغم من أن المادة 31 من الدستور المصري الصادر عام 2014 جاءت نصا دستوريا صريحًا يشير إلي وجوب الحفاظ علي المعلومات والبيانات الإلكترونية؛ إذ جري نصها علي أن "أمن الفضاء المعلوماتي جزء أساسي من منظومة الاقتصاد والأمن القومي؛ وتلتزم الدولة بإتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليه علي النحو الذي ينظمه القانون"

إلا أنه لم يكن بمصر تشريع عقابي متكامل خاص بالجرائم الإلكترونية ؛ كل ما هناك أنه توجد بعض النصوص القانونية المتناثرة في قوانين مختلفة تتحدث عن بعض العقوبات المرتبطة ببعض الجرائم الإلكترونية  منها قانون الأحوال المدنية المصري رقم 143 لسنة 1994؛ والذي نظم في عدد من مواد تجريم تعديل بيانات الأحوال الشخصية للمواطنين المسجلة علي الحاسب الالي أو الوسائط الإلكترونية الموجودة بمصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية بالتزوير أو الإتلاف أو الإطلاع عليها دون وجه حق.

وذلك في عدد من المواد منها نص المادة 72 من القانون والتي جاءت تنص علي "في تطبيق أحكام هذا القانون وقانون العقوبات تعتبر البيانات المسجلة بالحاسبات الآلية وملحقاتها بمراكز معلومات الأحوال المدنية ومحطات الإصدار الخاصة بها المستخدمة في إصدارالوثائق وبطاقات تحقيق الشخصية بيانات واردة في محررات رسمية

فإذا وقع تزوير في المحررات السابقة أو غيرها من المحررات الرسمية تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات.

وقد قرر قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 في بعض مواده حماية السرقات الأدبية عبر شبكة الإنترنت؛ فجاء نص المادة 140 منه للحديث عن نوعية من جرائم الإنترنت فنص علي أنه " تتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين علي مصنفاتهم الاأدبية والفنية وبوجه خاص المصنفات الاتية:

 الكتب والكتيبات والمقالا والنشرات من الحاسب الالي أو من غيره من برامج الحاسب الالي وقواعد البيانات سواء كانت مقروءة من الحاسب الالي أو من غيره من المحاضرات والخطب والمواعظ وأية مصنفات شفوية أخري إذا كانت مسجلة.

وجاء في نص المادة 181 من القانون ينص علي العقوبة؛ وجري علي "مع عدم الإخلال في أية عقوبة أشد في أية قانون اخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل خمسة الاف جنيه ولا تجاوز عشرة الاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين وكل من إرتكب أحد الأفعال الآتية :-

رابعا : نشر مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي أو أداء محمي طبقا لأحكام هذا القانون عبر أجهزة الحاسب الالي أو شبكات الإنترنت شبكات المعلومات أو شبكات الإتصال أو غيرها من الوسائل دون إذن كتابي مسبق من المؤلف أو لصاحب لحق المجاور.

كما نظم قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 بعض الجرائم في نص المادة 73 منه علي أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة الاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين؛ كل من قام أثناء تأدية وظيفته في مجال الاتصالات أو بسببها بأحد الأفعال الآتية :-

1- إذاعة أو نشر أو تسجيل لمضون رسالة إتصالات أو لجزء منها دون أن يكون له سند قانوني في ذلك

2- إخفاء أو تغيير أو إعاقة أو تحوير أية رسالة إتصالات أو لجزء منها قد تكون وصلت إليه.

3- إفشاء أية معلومات خاصة بمستخدمي شبكات الإتصال أو عما يجرونه أو ما يتلقونه من إتصالات دون وجه حق.

وأخيرًا ظهر القانون رقم 175 لسنة 2018 والذي حاول تناول الجرائم الإلكترونية بشيئ من التفصوسرعة تنفيذها يل؛ ولكن لما كانت الجرائم الإلكترونية تتسم بحداثة أساليب إرتكابها وسهولة إخفاء معالمها ودقة وسرعة محو اثارها؛ فقد ظهرت نتيجة عنها جملة من الصعوبات والإشكاليات العملية التي تعرقل وتقف حجر عائق أمام أجهزة العدالة في مواجهتها لهذه الطائفة من الجرائم ولاسيما أجهزة البحث والتحري والتي تعمل من أجل إستيفاء الدليل الإلكتروني.

من أجل هذا الوضع ثار النقاش حول ما إذا كان بالإمكان الإكتفاء بالقواعد الإجرائية العادية للبحث عن الجريمة الإلكترونية؛ أم أن الأمر يتطلب وضع قواعد إجرائية خاصة بها تنسجم مع خصوصيتها وطبيعتها ؛ حيث أشار بعض المتهمين إلي أن القاواعد الإجرائية المتعلقة بالبحث والتحري عن الجرائم في شكلها التقليدي هي قواعد لا تخص جريمة معينة دون أخري.

بل هي قواعد عامة يمكنها أن تنطبق علي كافة الأفعال المخالفة للقانون الجنائي بما فيها الجريمة الإلكترونية والتي تبقي وتظل وإن إختلفت عن غيرها من الجرائم سواء من حيث طبيعتها أو خصائصها؛ خاضعة من حيث المبدأ للقواعد العامة التي تسري علي جميع الجرائم.

ولما كانت الجريمة الإلكترونية ذات طبيعة خاصة وتتميز بخصوصيات متعددة منها أنها جريمة عابرة للحدود؛ فهي لا تحدها حدود خلافا للجرائم التقليدية؛ الأمر الذ يجعلها في كثير من الأحيان تستعصي علي الخضوع لقوالب الإختصاص المكاني؛

ومن ثم فإن الطبيعة الخاصة لهذا الصنف من الجرائم المستحدثة يتطلب تجاوز الحدود التقليدية؛ وأصبحنا أمام تجاوزها لكافة الحدود السياسية والجغرافية نواجه جريمة فقدت كل الحدود الجغرافية وكل أثر لها في الفضاء الشبكي المتشعب العلاقات؛ وأصبحنا أمام جرائم عابرة للحدود تتم في فضاء إلكتروني معقد عبارة عن شبكة إتصال لا متناهية غير مجسدة وغير مرئية وغير متاحة لأي شخص حول العالم وغير تابعة لأي سلطة حكومية يتجاوز فيها السلوك المرتكب المكان بمعناه التقليدي؛ له وجود حقيقيي وواقعي ولكنه غير محدد المكان.

ومما لا شك فيه أن هذه الطبيعة المتعدية للحدود التي يتسم بها هذا النوع من الجرائم ستنعكس علي مدي إمكانية ضبطها والتثدي لها مما يصعب تحديد الدولة صاحبة الإختصاص بالنظر في هذه الجرائم علي إعتبار أن هذه الجرائم لم تعد تعترف بمعايير الإختصاص التقليدية التي أقرتها قوانين الدول.

فالثابت أن موضوع الإختصاص في الجريمة الإلكترونية وفي غياب إطار تشريعي يحكمه وينظم التعامل معه وفق قواعد الإختصاص المكاني وهذا ما يطرح جملة من الصعوبات؛ خصوصا أن مكان إرتكاب الجريمة الإلكترونية والذي يكون دائما في البيئة الإفتراضية غير الملموسة يختلف عن مكان إرتكاب باقي الجرائم التقليدية الأخرى في العالم المادي الملموس

لذلك فإن تطبيق القواعد التقليدية التي تحدد معايير الإختصاص لا تتلائم مع طبيعة الجريمة الإلكترونية حيث يصعب تحديد مكان وقوع الفعل الإجرامي في هذه النوعية من الجرائم

فمن الصعوبات التي تطرحها الجريمة الإلكترونية هي الحالات التي يتوزع فيها السلوك المادي للجريمة في أكثر من دولة كأن يقع السلوك الجريمة في دولة؛ في حين تتحقق نتيجته الإجرامية في دولة أخري؛ ويكون بالتالي قانون كل دولة تتحقق فيها أحد عناصر الركن المادي للجريمة قابلا للتطبيق مما يؤدي إلي تنازع إيجابي في الإختصاص بين أكثر من تشريع وطني وبين أكثر من دولة لملاحقة نفس النشاط الإجرامي؛ كما في حالة إرتكاب فعل التهديد عبر الرسائل الإلكترونية حيث قد يرتكب الفعل المادي في بلد ويتلقاه الضحية في بلد اخر بعد أن تمر في كثير من الأحيان بأكثر من دولة قبل وصولها إلي دولة الإستقبال.

وعليه يمكن القول أن قواعد الإختصاص القضائي المنصوص عليها في القوانين الإجرائية صيغت لكي تحدد الإختصاص المتعلق بجرائم قابلة للتحديد المكاني؛ وبالتالي لا ينبغي إعمالها بشأن الجريمة الإلكترونية؛ والتي ترتكب في فضاء تنعدم فيه الحدود الجغرافية.

يبقي معها أمر تحديد مكان إرتكاب الجريمة في غاية الصعوبة؛ الأمر الذي أصبح يتطلب إيجاد قواعد إجرائية تحكم مسألة الإختصاص في هذه الفئة من الجرائم بما يتناسب مع طبيعتها الخاصة.

وأمام هذا الوضع أصبح الإحتكام إلي معايير الإختصاص المكاني التقليدية متجاوزا أمام الطبيعة العابرة للحدود التي تتميز بها الجرائم الإلكترونية

فقد أوجدت معايير جديدة لإنعقاد الإختصاص تتجاوز المعايير التقليدية التي يتم اللجوء إليه من أجل تقرير ضوابط الإختصاص في مختلف الجرائم العادية الأخرى.
يٌتبع...................


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق